الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أو ممَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ} (50: الأعراف).قوله تعالى: {يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقابِلِينَ}.وحيث يلبس أهل النار من النار أثوابا، يلبس أصحاب الجنة حللا من سندس وإستبرق.والسندس.. الرقيق من الديباج وهو ما كان سداه ولحمته من الحرير..والإستبرق: الغليظ من الحرير..وإذ يتدابر أهل النار، فلا ينظر بعضهم إلى بعض، لما وقع بينهم من عداوة، ولما يشهدون من العذاب الذي يعذب به المعذبون- فإن أصحاب الجنة، يواجه بعضهم بعضا، ويأنس بعضهم بالنظر إلى بعض، وبما يصافح أنظارهم من آيات الرضا والبهجة، التي تملأ الصدور، وتفيض على الوجوه..{عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ} (23- 24: المطففين) قوله تعالى: {كَذلِكَ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ}.أي كذلك شأنهم الذي هم فيه.. وأكثر من هذا، فقد زوجهم اللّه سبحانه وتعالى، بحور عين من حور الجنة، وعرائسها..والحور: جمع حوراء.. وهى التي في عينها حور، وهو شدة سواد العين مع شدة بياضها، وهذا من مفاتن المرأة، يقول جرير:
والعين: جمع عيناه، وهى الواحدة من بقر الوحش، وذلك لسعة عينيها وجمالها، وبها تشبه المرأة الحسناء، ذات العيون الفاتنة.قوله تعالى: {يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمنين}.أي يرزقون فيها من كل فاكهة يطلبونها، مما تشتهيه أنفسهم..وقد عبر عن الطلب بالدعاء، لأنه التماس ورجاء من رب كريم.. وعدّى الفعل بالباء مع أنه يتعدى بنفسه، لتضمنه معنى الهتاف بالفاكهة.. فما هى إلا أن يهتف بها أحدهم حتى تكون حاضرة بين يديه، من غير أن يحملها إليه أحد، أو يمد إليها هو يده.. بل يجدها بين يديه، وهو امن، ساكن، لا يلتفت، ولا يتحرك.قوله تعالى: {لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الأولى ووقاهم عَذابَ الْجَحِيمِ}.هوتعليل لقوله تعالى: {آمنين} أي أنهم في أمان من أن يزعجهم عن هذا النعيم الذي هم فيه، أي خاطر يخطر لهم، من انقطاع هذا النعيم بالموت، أوبالتحو ل عنه إلى غيره.. فهم في أمان من الموت..{لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ} أبدا، فإنها حياة خالدة، ونعيم خالد.. فلا يتحولون أبدا عن هذا النعيم إلى ما يقابله من عذاب الجحيم الذي يصلاه أهل النار، فقد وقاهم اللّه هذا العذاب وأنقذهم منه، فلا يتعرضون له أبدا..وفى قوله تعالى: {إِلَّا الْمَوْتَةَ الأولى} إشارة إلى قول المكذبين باليوم الآخر: {إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الأولى وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ}.. أي أن أهل الجنة قد ذاقوا هذه الموتة الأولى، التي كانوا على إيمان بالحياة والبعث بعدها، فكان هذا الإيمان سببا في خلاصهم من عذاب النار، كما كان سببا في هذا النعيم الذي هم فيه.. ومذاق هذه الموتة عندهم، غير مذاقها عند من يكذبون بالبعث.. حيث يجد المؤمنون بالبعث، أن هذا الموت سبيل إلى الحياة الآخرة، وإلى لقاء اللّه، وإلى ما أعد اللّه للمؤمنين المحسنين من جزاء كريم، على حين يجد المكذبون باليوم الآخر، أن الموت هو حكم عليهم بالفناء الأبدى، الذي يتحولون بعده إلى تراب في هذا التراب..إنه الضياع الأبدى لهم، والفراق الذي لا لقاء بعده للأهل والو لد! فهم يعذبون بالموت في الدنيا، كما يقول اللّه سبحانه وتعالى: {وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ} (55: التوبة) وهم كذلك يعذبون بهذا الموت في الآخرة، إذ كان هو الذي انتقل بهم إلى هذا العذاب الجهنمى الذي يتجرعون كئوسه ألوانا..فهذا الموت، الذي ذاقه المؤمنون في الدنيا، هو سبب مسراتهم التي يسرّون بها في الجنة، إذ يذكرونه- وهم في الجنة- فيذكرون أنه هو الذي أوصلهم إلى هذا النعيم، فلو لا الموت لما كان البعث..قوله تعالى: {فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذلِكَ هو الفَوْزُ الْعَظِيمُ}.هوتعليل لقوله تعالى: {لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الأولى ووقاهم عَذابَ الْجَحِيمِ} أي أن ما قضى اللّه سبحانه وتعالى به في أهل الجنة، من أنهم لا يذوقون الموت، ولا يتحولون عن هذا النعيم الذي هم فيه، إنما كان ذلك فضلا من فضل اللّه، وإحسانا من إحسانه، ورحمة من رحمته، إلى عباده المؤمنين.. وحسبهم بهذا فوزا.. فذلك هو الفوز العظيم، الذي لا يعدله فوز..قوله تعالى: {فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}..الضمير في {يَسَّرْناهُ} يراد به القرآن الكريم.. والمراد بتيسيره..بلسان النبي، تمكين العرب من الالتقاء بهذا القرآن، والأخذ عنه، وتلقى الهدى منه، لأنه بلسانهم، الذي هو لسان النبي المبعوث فيهم..وفى قوله تعالى: {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}.. تذكير لهؤلاء المشركين بنعمة اللّه عليهم، إذ أنزل عليهم كتابا من عنده، باللسان الذي يتكلمون به..ولوجاءهم بغير هذا اللسان، لما كان لهم سبيل إلى الاتصال به، والحياة في رياضه النضرة، والاقتطاف من ثماره الطيبة المباركة..فهذه نعمة جليلة من نعم اللّه على الأمة العربية، وإنه لجدير بها أن تلتقى بهذه النعمة، وأن تأخذ حظها منها.. فهو كتاب اللّه إليهم، ورحمته فيهم..وقد ذكر القرآن بضميره، دون أن يكون لهذا الضمير مرجع، لأن القرآن أشهر من أن يذكر، إذ هو حجة قائمة على المؤمنين، وغير المؤمنين جميعا..قوله تعالى: {فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ}.العطف بالفاء هنا يشير إلى أن الأمر بين النبي، وقومه، لم ينته إلى نهايته بعد، وأنهم مازالوا في هذا الامتحان مع القرآن الكريم، فلينتظر النبي ما يكون منهم، وليصبر على أذاهم، ولا ييأس من استجابتهم له، وذلك لأنهم {مُرْتَقِبُونَ} لم يقطعوا برأى بعد فيما يدعوهم إليه، وإن كانوا مقيمين على كبر وعناد.. وهكذا كان شأن قريش مع النبي، إنهم لا يكذبون النبي، ولا يشكّون في أنه رسول اللّه، ولكن كبرهم وعنادهم هو الذي كان يقطع عليهم الطريق إليه.. وإنهم لينتظرون ما تأنى به الأيام.. ولن تأتى الأيام إلا بما يسوء المعاندين والمكابرين منهم.. ويخيب ظنونهم، حيث يبدو لهم من اللّه ما لم يكونوا يحتسبون.. إنهم سيبعثون، وقد كانوا لا يتوقعون بعثا، وإنهم ليحاسبون، وقد كانوا لا يرجون حسابا، وإنهم ليعذبون في النار، وقد كانوا في تكذيب بهذا العذاب، وفى شك منه..وإذا كان القوم لم يرتقبوا شيئا من هذا كله، فإنهم مكرهون على هذا الارتقاب، إذ لا مفرّ لهم منه..و لقد أدّى بهم ارتقابهم في الدنيا إلى أن رأوا كلمة اللّه تعلو، وشهدوا جند الحقّ ينتصرون، وإذا ظل الشرك ينسخ شيئا فشيئا حتى تدو ل دو لته، ويجىء فتح اللّه والنصر، ويدخل الناس في دين اللّه أفواجا.. وهنا يرى النبىّ قومه وقد استجابوا لدعوته، وأصبحوا جميعا جندا من جنود الحق الذي يدعوإليه..فكان ذلك يوم النصر والفتح، الذي تحقق فيه للنبى ما وعده به ربّه يوم اصطفاه لحمل الرسالة، فقال سبحانه: {و لسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى}. اهـ.
يقولها للشاعر الذي سمى نفسه به، وذلك في قوله: فجاء بيت جرير على هذا الهزء.وقرأ الجمهور: {إنك} بكسر الهمزة. وقرأ الكسائي وحده: {أنك} بفتح الألف، والمعنى واحد في المقصد وإن اختلف المؤخذ إليه، وبالفتح قرأها على المنبر الحسين بن علي بن أبي طالب أسنده إليه الكسائي وأتبعه فيها.
|